قصة كاملة بقلم Lehcan Tetouani مكتملة ( ٣ فصول ) ...( حكاية نرجس )
الجزء الاول
عاشت السيدة نرجس التي ټوفي عنها زوجها وتركها مع ولدهما عزيز بعمر خمس سنوات وحيدين في هذا العالم.
فتحملت نرجس أعباء الحياة في سبيل تربية ولدها وتعليمه حتى بلغ مبلغ الرجال ثم قرت عينها به وهي تراه وقد تزوج ،
وأصبح أهل للمسؤولية وكان قد جلب زوجته لتعيش معهم في المنزل.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن أحيانا.
فزوجة عزيز أخذت تملئ دماغ زوجها بحديث العزلة والتفرد لوحدهما في بيت وتوغر صدره ضد أمه ،
وكيف أنها قد أصبحت عجوزا لا يمكنها الإعتناء بنفسها ولا بغيرها.
ثم أخبرته أنه لم يتزوجها لتقوم بالإعتناء بأمه ، وأنها لن تمكنه من نفسها إلا إذا وجد حلا لأمه التي أصبحت عالة على طريق سعادتهما.
وأكثرت الزوجة من هذا الكلام وأمثاله فكانت تقرع أسماعه ليل نهار به حتى غُلب عزيز في النهاية ،
وتغلب ولعه بزوجته على حبه لأمه ، فاستمع إلى زوجته وهي تخبره بخطة نظيفة للتخلص من أمه.
في اليوم التالي اصطحب عزيز والدته معه إلى عمق الغابة فسارت نرجس إلى جانبه دون أن تسأله عن وجهتهما فقد كانت تثق به ثقة عمياء.
سار الإثنان ساعات حتى بلغا مكانا قصيا لا يكاد يبلغه أحد ، فقال عزيز : استريحي هنا يا أماه وأنا سأذهب لأحضر لنا شيئا من الماء.
جلست نرجس وانتظرت وبقيت جالسة وهي تنتظر عودة ابنها حتى مرت الساعات ،
وهي لا تعلم أن عزيزا قد غادر إلى غير رجعة تاركا إياها تواجه مصيرها المجهول.
وفي تلك الأثناء مر فلاح كهل فشاهد نرجس في مكانها وهي تبكي بصمت ،
فاقترب منها وسألها عن سبب جلوسها في هذا المكان المنقطع ، فأجابت بأنها بانتظار عودة ابنها الذي ذهب ليحضر الماء ،
ولكنه تأخر عنها وأنها تخشى أن يكون قد حصل له مكروه ما.
شك الفلاح في أمرها فجلس وطلب أن تحدثه بأمرها منذ البداية فأخبرته عن ابنها عزيز وعن زواجه إلى كيفية وصولها إلى هنا.
فكر الفلاح قليلا ثم قال : الماء يحيط بالمكان ولو أراد عزيز لعاد بالماء منذ زمن ، أخشى أن ولدك قد تركك هنا عمدا يا أماه.
هزت نرجس رأسها بالنفي وقالت : لا عزيز لن يفعلها أبدا ، إنه ولدي وأنا التي ربيته.
أنتي محظوظة لأني مررت من هنا ووجدتك وإلا كنتي قد تهتي في الغابة ،
على العموم سأبحث عن عزيز قرب نبع الماء وأعود ، لا تذهبي من مكانك.
ذهب الفلاح ثم عاد بعد دقائق دون أن يجد أثر لعزيز وأكد لنرجس مرة أخرى أن ابنها أراد بذلك أن يتخلص منها ،
بالقائها هكذا في جوف الغابة فأصرت نرجس على عدم تصديقه ،
حتى قالت : والله لن أتكلم بعد الأن إلا بالقرآن حتى يعود إلي ولدي والله على ما أقول شهيد.
غادرت نرجس مكانها تاركة الفلاح في حيرة من أمره وأخذت تجول في أطراف الغابة وهي تلهج بذكر القرآن ،
حتى جلست على جذع خشبة تستريح ولم تأخذ بالها من بقعة ډم بجوارها فتلطخ ثوبها وكفها پالدم ،
ثم نهضت وواصلت سيرها وفجأة داهمها عدد من الحرس فألقوا القبض عليها واقتادوها إلى قائدهم.
فقال أحدهم سيدي لقد عثرنا على هذه العجوز ، إن المواصفات تنطبق عليها فهي عجوز تجول في الغابة وحيدة ،
ثم انظر إلى الډماء تغطي ثوبها وكفها لابد أنها قد قټلت الضحېة.
أخذ القائد يستجوب نرجس فلم يسمع منها غير القرآن فقد استمرت بتلاوته حفظا عن ظهر قلب بلا انقطاع ، فاستغرب القائد أمرها.
وهنا حضر أحد الحرس وقال : سيدي لقد عثرنا على الچثة.
سار الجميع إلى حيث كانت نرجس جالسة على الجذع حيث تم العثور على چثة طفل في الثالثة من العمر مقتول ومرمي خلف الجذع ،
فقال الحارس : هنا قبضنا على المشتبه بها ثم انظر يا سيدي إن طبعة كفها تطابق الډماء على الجذع.
قال القائد بحدة : هذا دليل قاطع على أنك الجانية فقد انبأتنا والدة الطفل المفجوعة بأن عجوزا قد اختطفت فلذة كبدها ،
وفرت به إلى جوف الغابة ، بماذا ستدافعين عن نفسك؟
استمرت نرجس بتلاوة القرآن لأنها أقسمت أن لا تتكلم إلا به حتى يرجع إليها عزيز ،
فهي ترفض أن تصدق أنه تخلى عنها بتلك السهولة وهي التي حملته في بطنها تسعة أشهر ،
ثم رضعته صغيرا واحتظنته عندما ټوفي والده
وعملت بكل جد حتى توفر له لقمة الحلال إلى أن شب وتزوج.
لأجل هذا كانت نرجس تغمض عينيها عن كل ذلك وتتلو كلام الله لتبتعد عن تصرفات هذه الدنيا الدنية ،
فلا خير فيها إذا تخلى عنها فلذة كبدها.
تم اقتياد نرجس إلى المدينة المجاورة نحو مجلس القضاء وسط الحشود الغاضبة التي تريد أن تفتك بنرجس ،
كونها المشتبه بها لكن مواكبة الحرس لها حال دون أن تطالها أيديهم.
فرموها بأقذر الشتائم وبكل ما طالته أيديهم من حجارة وقاذورات وهي صابرة تمشي مغمضة العينين منقادة إلى حيث يريدون ،
وما فتئت عن ذكر الرحمن بتلاوة القرآن محتسبة أمرها عند الله متوكلة عليه وحده.
يتبع ..